-A +A
عبدالله يحيى بخاري
الخبر الجيد الذي أثلج صدور أساتذة الجامعات، هو صدور قرار مجلس الوزراء الموقر رقم 259 بتاريخ 1/9/1429هـ بصرف مكافأة نهاية الخدمة لأعضاء هيئة التدريس المتقاعدين بالجامعات.
الخبر الذى أصاب أغلبيتهم بالإحباط هو أن يطبق ذلك القرار على الذين تقاعدوا «بعد» صدور القرار فقط. وبذلك تم حرمان جميع أعضاء هيئة التدريس الجامعي الذين تقاعدوا قبل صدور ذلك القرار، حتى الذين تقاعدوا قبل شهر أو شهرين فقط من صدور القرار، المفرح المحزن.

ولكن منذ قرابة أربعة أعوام، صدرت توصية جيدة من مجلس الشورى بأن يشمل ذلك القرار أساتذة الجامعات المتقاعدين جميعا، بمن فيهم الذين تقاعدوا «قبل» صدور القرار أيضا.
وكما أعلم من خلال عملى السابق بمجلس الشورى، فقد كانت وزارة التعليم العالي تؤيد فكرة أن ينطبق قرار مكافأة نهاية الخدمة للأستاذة الجامعيين على جميع أعضاء هيئة التدريس المتقاعدين سواء قبل صدور القرار أم بعده، وأنها ــ أي وزارة التعليم العالي ــ أوعزت إلى لجنة الشؤون التعليمية بمجلس الشورى بدعم الوزارة فى ذلك التوجه عن طريق إصدار توصية تنص على ضم المتقاعدين السابقين إلى المستفيدين من ذلك القرار لينطبق عليهم.
وقد أصدرت اللجنة تلك التوصية بالفعل بعد مداولات في المجلس، ثم رفعت توصية مجلس الشورى منذ قرابة ثلاثة أعوام. وتفاءل جميع قدماء المتقاعدين من هيئة التدريس بالجامعات بقرب الفرج ومساواتهم بمن جاء بعدهم من أبنائهم وإخوانهم من أساتذة الجامعات.
إلا أنه لأسباب لا نعلمها، لم يستجد أي شيء في هذا الموضوع للأسف حتى الآن، بالرغم من انتشار الخبر فى أجهزة الإعلام.
ثم علمنا مؤخرا أنه عند مناقشة تقرير وزارة التعليم العالي للعام المالى 1433/1434 هـ بمجلس الشورى، أصدر المجلس توصية جديدة للتأكيد على قراره السابق رقم 42/21 بتاريخ 19/5/1431هـ، الذي ينص على شمول أعضاء هيئة التدريس السعوديين أيضا، الذين تقاعدوا قبل صدور قرار مجلس الوزراء رقم 259 بتاريخ 1/9/1429هـ ألخاص بمكافأة نهاية الخدمة. وهذا موقف يسجل بكل اعتزاز لمجلس الشورى.
وتدل الأرقام أن مجموع عدد المتقاعدين من أساتذة الجامعات السعوديين الذين على قيد الحياة محدود جدا، لا يؤثر استثناؤهم من هذه المكافأة أو حصولهم عليها بأي تأثير إيجابي أو سلبي على الميزانية الضخمة لوزارة التعليم العالي، ولكنه سيدخل الفرحة والبهجة على قلوب الألوف من أبناء وعائلات المتقاعدين من أساتذة الجامعات الأفاضل.
ولا أظن أنه يخفى على أحد أن عددا من هؤلاء الأساتذة المتقاعدين لايمتلكون منزلا حتى الآن ! أمر يصعب تصديقه، ولكنه حقيقة.
هؤلاء المتقاعدون القدامى الذين حرموا من هذه المكافأة، هم في الواقع من وضع حجر الأساس لانطلاقة التعليم العالي والجامعي في مختلف أنحاء المملكة، وهم من أسس مختلف الكليات والأقسام ووضع لها مناهجها العلمية، وهم من قام بتدريس معظم أبنائنا وأغلبية من هم الآن في المناصب الكبيرة والهامة، سواء في القطاع الخاص أم في الأجهزة الحكومية. بل هم من قام بتدريس وتعليم وتخريج أساتذة الجامعات اللاحقين الذين جاءوا بعدهم وحصلوا على مكافآة نهاية الخدمة عند تقاعدهم. هؤلاء المتقاعدون الأوائل هم من زرعوا وبدأوا من الصفر أيام التقشف والحاجة، فكيف يمكن تجاهلهم وقت الرخاء والوفرة !.
أساتذة الجامعات المتقاعدون الذين حرموا من تلك المكأفاة، هم الذين قاموا بالتدريس حينما كانت صالات المحاضرات ومكاتب هيئة التدريس والإدارة حينذاك ماهى إلا مجرد «صنادق» من المباني جاهزة الصنع البدائية. هؤلاء هم أول من ضحى بشبابه ودفئ أحضان الوطن والوالدين، ليتغرب في الخارج عدة سنين يعود بعدها إلى وطنه ويبدأ مسيرة التعليم العالي في أولى خطواتها، وأهمها وأصعبها.
أساتذة الجامعات المتقاعدون، الذين تم حرمانهم من تلك المكافأة رغم عوزتهم الآن وحاجتهم الشديدة، هم من خيرة رجال هذا البلد، من الذين تمنعهم كرامتهم الأكاديمية ومكانتهم العلمية من السؤال، وكانت بداية رواتبهم لا تتعدى ألفين وخمسمائة ريال فقط.
هؤلاء المتقاعدون الأوائل محسوبون على جامعاتهم التي كانوا يعملون بها، وعلى وزارتهم أيضا، والأولى أن تقوم جامعاتهم ووزارة التعليم العالي بدعمهم والسعي لضمهم للمستفيدين من ذلك القرار، فتكريم هؤلاء الأفاضل والاعتراف بجهدهم وتضحياتهم هو أقل ما يمكن تقديمه إليهم فى مراحل أعمارهم المتقدمة..
هؤلاء حقيقة هم الذين شاركوا منذ البداية وساهموا في وضع خطط الارتقاء بهذا الوطن، وطنهم الكريم المعطاء الذي يفيض خيره على جيرانه وأصدقائه وكل من يطلب العون منه، ولا يمكن أن يبخل يوما على أبنائه، وخاصة هذه الفئة من رجاله المخلصين من أهل العلم والفكر وإنكار الذات.